تطالعون في هذاالجزء من الموضوع السيرة النبوية في قفا الخطاب الصوفي كمقدمة للحديث عن تماس الخطاب النبوي مع الخطاب الصوفي

في جزء آخرقادم:

لقد شكل الخطاب القرآني مرجعية للخطاب الصوفي فانتقى الدرر ثم الدرر ،كما أن الحديث االنبوي الشريف لم يخرج عن دائرة تلك الخلفية التي تخذها الشاعر الصوفي اهتداء إلى المعاني الجليلة واستعانة بها ،فأحدث التقاطع والتوالج بين الخطابين ، لكن حقيقة تماس الخطابين مقطوع بها، وهو ما أثبتته دراسات سعت لمقاربة ذلك الخطاب في علاقاته مع الخطب الأخرى ويبقى أن نتساءل عن كيفية تعامل الشاعر مع الخطاب النبوي؟

لقدد تبصر الشاعر الصوفي حقيقة سيرة سيد البرية ، بل إن الصوفي يهفو إلى الانتساب لأفضل نموذج إنساني ،فأثنوا عليه بأسمى الألقاب وكل ما يناسب مقامه الجليل وهاهو الشيخ عبد القادر الجيلاني يقول : 0بحر المضارع0

جدي رسول الله أعني محمدا أنا عبد قادر دام عزي ورفعتي.

حقا إن دوام العزة والرفعة لن يكون له شأن ولا استمرار لولا نسبته إلى المصطفى خير المختارين ، وتثبيتا لتلك النسبة يورد من الفعل ماجعله حقيقا بذلك الانتماء الجليل ، يقول:0 الطويل0

وكل ولي له قدم وإني على قدم النبي بدر الكمال.

ولعلنا نكتفي في هذا المقام بذكر أحد أقطاب هذا الفن وهو الشيخ البوصيري الذي انتشل هذا الفن من براثن الحيرة فسكب عليه صفاء النفس ووضاءة الخشوع والتبتل وتعد همزيته من تلك الروائع التي نسجت في مديحه صلى الله عليه وسلم

يقول في مطلعها :من الخفييف :

كيف ترقى رقيك الأنبياء ياسماء ماطاولتها سماء

فما أبدع ذاك التصوير للرفعة والسمو الذين خص بها النبي صلى الله عليه وسلم –وماأحقه بذلك وأكثر-وفيها يقوم بتتبع سيرة الرسول الأعظم بإعجاب شديد وتنور منبلج عن ذاك التبصر الناشئ عن النباهة الشديدة والتفطن الورع لتلك السيرة المنيرة .يقول : البسيط

محمد سيد الكونين والثقلي ن والفريقين من عرب ومن عجم

نبينا الآمر الناهي فلا أحد أبرفي قول لا منه ولا نعم

تلك هي السيرة النبوية تنسل متفجرة عندما تنقش آثارها في الذاكرة فتوقع توظيفات شفافة، بارزة لا مواراة فيها ، هي السيرة وقد وقعت في قفا الفن الأدبي المتحرر فنحت منها تمثاله المثالي الذي يجب أن يتمثله.

وعلى الإيقاع ذاته عزف البوصيري نماذجه التي تزيت بذلك الزي الموحد الأخاذ ، الذي تحلت به خمسة عشرة قصيدة في ديوانه.